فصل: باب بيع الشريك من شريكه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المتواري على أبواب البخاري



.كتاب كفّارات الأيمان:

.باب قوله تعالى: {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} [التحريم: 2] ومتى تجب الكفّارة على الغني والفقير:

فيه أبو هريرة: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت، قال: «ما شأنك؟» قال: وقعت على امرأتي في رمضان. قال: «تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» قال: لا. قال: «فتستطيع أن تطعم ستين مسكيناً؟» قال: لا. فأجلس. الحديث.
قلت: رضي الله عنك! مقصوده التنبيه على أن الكفّارة إنما تجب بالحنث، كما أن كفارة الإفطار إنما كانت بعد اقتحام الذنب. وأدرج في ذلك إيجابها على الفقير، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علم فقره، ومع ذلك أعطاه ما يكفّر به، كما لو أعطى الفقير ما يغطي به دينه.

.باب يعطى في الكفارة عشرة مساكين أقرباء كانوا أو بعداء:

وذكر في حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أطعم أهلك».
قلت: رضي الله عنك! أعاد الحديث في هذه الترجمة وما فيه إلا: «أطعم أهلك» لكن إذا جاز أعطى الأقرباء فالبعداء أجوز. وقاس البخاري كفارة اليمين على كفارة الإفطار في إجازة الصرف إلى الأقرباء.

.باب عتق المدبّر وأم الولد والمكاتب في الكفارة، وعتق ولد الزنا:

وقال طاوس: يجزي المدبّر وأمّ الولد:
فيه جابر: إن رجلاً من الأنصار دبر مملوكاً، ولم يكن له مال غيره. فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «من يشتريه مني؟» فاشتراه نعيم بن النحّام بثمانمائة درهم.
قلت: رضي الله عنك! وجه مطابقة الترجمة لبيع المدبّر أنه باعه. وبيعه يدلّ على ملكه، فهو كالقنّ. وقول طاوس بإجازة أم الولد توجب إجازة المكاتب بطريق الأولى. ولا أعلم مناسبة بين عتق ولد الزنا وبين ما أدخله في الترجمة إلا أن يكون المخالف في عتقه خالف في عتق ما ذكره فاستدلّ عليه البخاري بطريق لا قابل بالفضل. أو لأن الذي منع عتق المكاتب ونحوه في الكفارة بنى على نقص قيمته في الكتابة. فلا يجزئ في الكفارة كعيب العين. فنقض عليه البخاري بنقص ولد الزنا في القيمة، ومع ذلك جاز عتقه في الكفارة والله أعلم.

.باب إذا عتق عبداً بينه وبين آخر في الكفارة لمن ولاؤه:

فيه عائشة إنها أرادت تشتري بريرة، فاشترطوا عليها الولاء، فقال: الولاء لمن أعتق.
قلت: رضي الله عنك! ترجم على العبد المشترك بعتق أحدهما وحديث بريرة لا اشتراك فيه. لكنهم لما اشترطوا الولاء وكانت الرقبة لعائشة صار الحق في الأمة مدخولاً فيه على الاشتراك. فأسقط الشرع حق الولاء عن غير المعتق، وخص به المعتق. فكذلك أحد الشريكين إذا أعتق نصيبه وكان موسراً. ويجزيه في الكفارة عند مالك- رحمه الله-.

.باب الاستثناء في اليمين:

فيه أبو موسى: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من الأشعريين أستحمله. فقال: «والله لا أحملكم». فلبثنا ما شاء الله. ثم أتى بإبل فأمر لنا بثلاث ذود فقلنا: لا يبارك لنا فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرناه. فقال: «ما أنا حملتكم بل الله حملكم. وأنا إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها، إلا كفرت عن يميني. وأتيت الذي هو خير، أو أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني».
وفيه أبو هريرة: قال سليمان: «لأطوفن الليلة على تسعين امرأة، كلهن تلد غلاماً يقاتل في سبيل الله. فقال له صاحبه- يعني الملك-: قل: إن شاء الله. فنسى فلم يأت منهن، إلا واحدة جاءت بشق غلام». فقال أبو هريرة يرويه: لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً له في حاجته وقال مرّة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو استثنى».
قلت: رضي الله عنك! ترجم على الاستثناء في اليمين وليس في حديث أبي موسى إلا قوله صلى الله عليه وسلم: «وإني إن شاء الله»، وهذه ليست بيمين. وأما حديث سليمان عليه السلام ففيه: «لأطوفنّ». وهذا وإن لم يكن فيه يمين ولكن فيه ما يتعين أن يكون جواب قسم. وكان البخاري يقول: إذا استثنى من الأخبار فكيف لا يستثنى من الأخبار المؤكدة بالقسم وهو أحوج للتفويض إلى المشيئة، لأنه أدخل في التألي على الله تعالى بالغيب المستقبل؟ والله أعلم.
وفي حديث سليمان لطيفة تدل على أن الفصل اليسير بين اليمين والاستثناء لا يضر، لأنه قال: فقال له الملك، قل: إن شاء الله فنسى. فمقتضى هذا أنه لو قالها لاعتبر استثناؤه. وذلك مع الفصل بقول الملك بين اليمين وبين الاستثناء.
ولكن المذهب الصحيح عند العلماء اشتراط الاتصال في الاستثناء، فيحمل على أن الملك قال له ذلك خلال يمينه بحيث لو لم ينس لكان الاستثناء متصلاً. ففيه دليل على أن حدوث نيّة الاستثناء خلال اليمين كافٍ وهو الصحيح عند مالك، لأنّا لا نعتبر مقارنة النيّة لأوّل اليمين بل لو حدثت متصلة بآخر جزء منها اعتبر. والله أعلم.

.باب الكفارة قبل الحنث وبعده:

فيه حديث أبي موسى: إلى قوله صلى الله عليه وسلم: «إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير، وتحللتها».
وفيه عبد الرحمن بن سمرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تسأل الإمارة» إلى قوله: «وإذا حلفت على يمين ورأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير وكفّر عن يمينك».
قلت: رضي الله عنك! إن قيل ترجم على التكفير قبل وبعد. وساق الحديث المجمل في الترتيب لأن الواو لا تدّل على الجمع المطلق. فالجواب أنه لو كان الترتيب بينهما شرعياً بحيث لا تشرع الكفارة إلا بعد الحنث لنّبه الشرع عليه فلما لم تلتفت إلى ذلك فهم التساوي فيه. والله أعلم.

.كتاب البيوع:

.باب ما جاء في قوله عز وجل:

{فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله} الآية. {وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين} [الجمعة: 10- 11]. وقوله تبارك وتعالى: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم} [النساء: 29].
فيه أبو هريرة: قال: إنكم تقولون: إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث أبي هريرة؟ وإن إخواني من المهاجرين كان يشغلهم صفق بالأسواق، وكنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، فأشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه لن يبسط أحدكم ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه ثم يجمع إليه ثوبه إلا وعى ما أقول» فبسطت نميرة عليّ حتى إذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته جمعتها إلى صدري فما نسيت من مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك من شيء.
وفيه عبد الرحمن: لما قدمنا المدينة آخى النبي صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع فقال سعد: إني أكثر الأنصار مالاً فأقسم لك نصف مالي، وانظر أي زوجتي هويت نزلت لك عنها، فإذا حلّت تزوجتها. فقال عبد الرحمن: لا حاجة لي في ذلك، هل من سوق فيه تجارة؟ قال: سوق قينقاع. فغدا إليه فأتى بأقط وسمن... الحديث.
وفيه ابن عباس: كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقاً في الجاهلية، فلما جاء الإسلام كأنهم تأثموا فيه فنزلت: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من رّبكم} [البقرة: 98] في مواسم الحج.
قلت: رضي الله عنك جميع ما ذكره ظاهر في إباحة التجارة إلاّ قوله: {وإذا رأوا تجارةً أو لهواً...} الآية فإنها عتبٌ على التجارة وهي أدخل في النهي منها في الإباحة لها لكن مفهوم النهي عن تركه قائماً اهتماماً بها يشعر أنها لو خلت من المعارض الرّاجح لهم تدخل في العتب بل كانت حينئذ مباحة.

.باب: قول الله تعالى: {وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا}:

فيه جابر: بينما نحن نصلّي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبلت عير من الشام تحمل طعاماً فانقلبوا إليها حتى ما بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم إلاّ اثني عشر رجلاً، فنزلت: {وإذا رأوا تجارة أو لهواً} الآية.
قلت: رضي الله عنك! إنما ذكر الآية في هذه الترجمة بمنطوقها وهو الذم وتقدّم ذكره في باب الإباحة بمفهومها. وهو تخصيص ذمّها بحالة اشتغل بها عن الصلاة والخطبة. والله أعلم.

.باب: {يمحق الله الرّبا ويربي الصدقات} [البقرة: 276]:

فيه أبو هريرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الحلف ممحقة للبركة، منفقة للسلعة».
قلت: رضي الله عنك! ذكر الحديث كالتفسير للآية، لأن الرّبا الزيادة، فيقال: كيف يجتمع المحاق والزيادة؟ فبيّن بالحديث أن اليمين مزيدة في الثمن وممحقة للبركة منه، والبركة أمر زائد في العدد، فتأويل قوله: {يمحق الله الربا} يمحق الله البركة منه وإن كان عدده باقياً على ما كان.

.باب التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء:

فيه ابن عمر: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر بحلة حرير- أو سيراء- فرآها عليه فقال: «إني لم أرسل بها إليك لتلبسها إنما يلبسها من لا خلاق له، إنما بعثت إليك لتستمتع بها يعني تبيعها».
فيه عائشة: إنها اشترت نمرقة فيها تصاوير، فلما رآها النبي صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخله فعرفت في وجهه الكراهية، فقلت: يا رسول الله، أتوب إلى الله وإلى رسوله، فماذا أذنبت؟ فقال: «ما بال هذه النمرقة؟» قلت: اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسّدها فقال: «إن أصحاب هذه الصور يوم القيامة يعذبون، فيقال لهم: أحيوا ما خلقتم. وإن البيت الذي فيه الصّور لا تدخله الملائكة».
قلت: رضي الله عنك! في ترجمة البخاري إشعار بحمل قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما يلبسها من لا خلاق له» على العموم للرجال وللنساء. والحق أن النهي خاص بالرجال. أما النمرقة المصّورة فإن الصورة المكروهة يستوي فيها الرجال والنساء في المنع.

.باب كم يجوز الخيار:

فيه ابن عمر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّ المتبايعين بالخيار في بيعهما ما يفترقا أو يكون البيع خياراً». وكان ابن عمر إذا اشترى شيئاً يعجبه فارق صاحبه.
وفيه حكيم بن حزام: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «البيعان بالخيار ما لم يفترقا».
قلت: رضي الله عنك! ترجم على قدر أمد الخيار، هل يستوي فيه السلع أو تتفاوت بحسب الحاجة إلى التروي فيها؟ وليس في الحديث الذي أورده تعرّض لواحد من المذهبين، اللهم إلا أن يأخذ من عدم تحديده في الحديث تفويض الأمر إلى الحاجة في اشتراطه، وهو مذهب مالك رحمه الله فيحتمل.

.باب إذا لم يوقت في الخيار، هل يجوز البيع:

فيه ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «البيعان بالخيار ما لم يفترقا أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر» وربما قال: «أو يكون بيع خيار».
قلت: رضي الله عنك!، الظاهر أنه قصد تجويز البيع، وتفويض الأمر بعد اشتراط الخيار المطلق إلى العادة في مثل السلعة، وهذا مذهب مالك رحمه الله، وهو أسعد بإطلاق الحديث خلافاً لمن منع البيع كذلك إلحاقاً بالعذر. والله أعلم.

.باب إذا اشترى شيئاً فوهبه من ساعته قبل أن يفترقا ولم ينكر البائع على المشتري أو اشترى عبداً فأعتقه:

وقال طاوس فيمن يشتري السلعة على الرضا ثم باعها: وجب له البيع.
فيه ابن عمر: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فكنت على بكر صعب لعمر، فكان يغلبني فيتقدّم أمام القوم، فيزجزه عمر ويردّه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: «بعنيه» قال: هو لك يا رسول الله. قال: «بعنيه» فباعه من النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «هو لك يا عبد الله بن عمر، تصنع به ما شئت».
وفيه ابن عمر: بعت من أمير المؤمنين عثمان مالاً بوادي القرى بمال له بخيبر. فلما تبايعنا رجعت على عقبي حتى خرجت من بيته خشية أن يردّني في البيع، وكانت السنة أن المتبايعين بالخيار حتى يفترقا. قال عبد الله: فلما وجب بيعي وبيعه رأيت أني قد غبنته بأني قد سقته إلى أرض ثمود بثلاث ليال، وساقني إلى المدينة بثلاث ليال.
قلت: رضي الله عنك! أراد البخاري إثبات خيار المجلس بحديث ابن عمر مع عثمان. ولما علم أن الحديث الأول يعارضه لأن النبي صلى الله عليه وسلم يصرف في البكر تصّرف المالك بنفس تمام العقد لفظاً، استأنف عن ذلك بقوله في الترجمة: «ولم ينكر البائع على المشتري»، يعني أن هذه الهبة إنما مضت بإمضاء البائع، وهو سكوته النازل منزلة قوله: أمضيت العقد، لا بلفظ العقد الأول خاصة. والله أعلم.

.باب ذكر الأسواق:

وقال عبد الرحمن: لما قدمنا المدينة قلت: هل من سوق فيه تجارة؟ قال: دلّوني على السوق. وقال عمر: ألهاني الصّفق بالأسواق.
فيه عائشة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يغزو جيشٌ الكعبة فيخسف بأولهم وآخرهم». قلنا: يا رسول الله، كيف يخسف بأولهم وآخرهم؟ وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟ قال: «يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم».
وفيه أبو هريرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «صلاة أحدكم في جماعة تزيد على صلاته في سوقه وبيته» الحديث.
وفيه أنس: كان النبي صلى الله عليه وسلم في السوق- وقال مرة بالبقيع- فقال رجل: يا أبا القاسم فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنما دعوت هذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تسمّوا باسمي ولا تكنوا بكنيتي».
وفيه أبو هريرة: خرج النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة من النهار ولا يكلّمني حتى أتى سوق بني قينقاع. فجلس بفناء بيت فاطمة فقال: «أثم لكع، أثم لكع»؟ فحسبته شيئاً فظننت أنها تلبسه سخاباً أو تغسله فجاء يشتدّ حتى عانقه وقبّله... الحديث.
وفيه ابن عمر: أنهم كانوا يشترون الطعام من الركبان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فبعث عليهم من يمنعهم أن يبيعوا حيث اشتروه حتى يبلغوه حيث يباع الطعام.
قلت: رضي الله عنك! إنما أراد بذكر الأسواق بإباحة المتاجر ودخول السوق والشراء فيه للعلماء والفضلاء. وكأنه لم يصح عنده الحديث الذي روي: «شر البقاع الأسواق، وخيرها المساجد». وهذا إنما خرج على الأغلب لأن المساجد يذكر فيها اسم الله تعالى.
والأسواق قد غلب على أهلها الغلط واللهو والاشتغال بجمع المال والتكالب على الدنيا من الوجه المباح وغيره، وأنه إذا ذكر الله في السوق فهو من أفضل الأعمال. ورُوي عن محمد بن واسع أنه قال: سمعت سالم بن عبدالله يقول: من دخل السوق فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك لهُ له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير كتبت له ألف حسنة وتمحى عنه ألف ألف سيئة وبنى له بيت في الجنة. وكذلك إذا لغا في المسجد ولغط فيه أو عصى ربّه لم يضّر المسجد ولا نقص من فضله وإنما أضر نفسه، وبالغ في إثمه. وقد روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: «من عصى الله في المسجد فكأنما عصاه في الجنة. ومن عصاه في الحمام فكأنما عصاه في النار. ومن عصاه في المقبرة فكأنما عصاه في عرصات القيامة. ومن عصاه في البحر فكأنما عصاه على كف الملائكة». وذهب المهلب في حديث عائشة إلى من كثر سواد العصاة تلزمه العقوبة معهم. وإن مالكاً استنبط من الحديث معاقبة جليس شارب الخمر وإن لم يشرب. وهذا عندي مردود فإن العقوبة المذكورة في الحديث هي المحنة السماوية والمحن السماوية لا تقاس بها العقوبات الشرعية. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «ويبعثون على نياتهم» دلّ على أن المقاتلة عوقبوا والسوقة امتحنوا معهم في الدنيا خاصّة. ثم وراء ذلك نظر في مصاحبة أهل الفتنة للتجارة معهم هل هي من قبيل إعانتهم على ما هم عليه؟ أو يقال: إن ضرورة الوجود توجب معاملتهم، وكل على شاكلته، والمفتن يبوء بإثمه. وهذا ظاهر الحديث.

.باب هل يبيع حاضر لباد بغير أجر وهل يُعينه أو ينصحُه:

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له» ورخص فيه عطاء.
فيه جرير: بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على شهادة أن لا إله إلا الله والنصح لكل مسلم مختصر.
وفيه ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تلقُّوا الرُّكبان ولا يبع حاضر لباد» فقلت: لابن عباس: ما قوله: «لا يبع حاضر لباد»؟ فقال: لا يكون له سمساراً.
قلت: رضي الله عنك! ساق البخاري العموم والخصوص على صيغة التعارض ليرشد إلى الجمع. وحمل النهى الخاص على البيع بأجر لأنه حينئذ لا يكون غرضه نصح البائع وإنما غرضه الأجر. ومقتضى هذا: إجازة بيع الحاضر للبادي بغير أجر من باب النصح لكل مسلم وترجمته التي تلي هذه تحقق مقصوده على هذا الوجه.

.باب بيع الجُمّار وأكله:

فيه ابن عمر: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو يأكل جُمّاراً فقال: «من الشجرة شجرة كالرجل المؤمن» فأردت أن أقول النخلة. فإذا أنا أحدثُهم فقال: «هي النخلة».
قلت: رضي الله عنك! ليس في الحديث ما يدل على بيع الجُمّار إلا بالقياس على أكله، إذ يدل على أنه مباح. واستغرب الشارح ذكره لبيع الجُمّار بناء منه على أنه مجمع عليه، وأنه لا يتخيّل أحد فيه المنع. وقد وقع في عصرنا لبعضهم إنكار على من جمّر نخلة ليأكله تحرجاً من أكل غيره مّما لم يصف من الشبهة ونسبه لإضاعة المال وذهل عن كونه حفظ ماله بماله.

.باب من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم في البيع والإجارة والكيل والوزن وسننهم على نياتهم ومذاهبهم المشهورة:

وقال شريح للغزّالين: سنتّكم بينكم. وقال ابن سيرين: لا بأس العشرة بأحد عشر ويأخذ للنفقة ربحاً. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لهند: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» وقال تعالى: {ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف} [النساء: 6] واكترى الحسن من عبدالله بن مرداس حماراً. قال: بكم؟ قال: بدانقين، فركبه ثم جاء مرة أخرى. وقال الحمار فركبه ولم يشارطه فبعث إليه بنصف درهم.
فيه أنس: حجم النبي صلى الله عليه وسلم أبو طيبة فأمر له بصاع من تمر، وأمر أهله أن يخففّوا عنه من خراجه.
وفيه عائشة: قال النبي صلى الله عليه وسلم لهند حين قالت له: إن أبا سفيان رجل شحيح، فهل عليّ من جناح أن آخذ من ماله سرًّا؟ فقال: «خذي أنت وبنيك ما يكفيك بالمعروف». وقالت: عائشة رضي الله عنها: {ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف} أنزلت في وليّ اليتيم الذي يقيم عليه ويصلح في ماله، إن كان فقيراً أكل منه بالمعروف.
قلت: رضي الله عنك! مقصوده بهذه الترجمة إثبات الاعتماد على العرف وأنه يقضي به على ظواهر الألفاظ. ويردّ إلى ما خالف الظاهر من العرف، ولهذا: ساق: «لا بأس العشرة بأحد عشر»، أي يبيعه بسلعة مرابحة للعشرة بأحد عشر. وظاهره أن ربح العشرة أحد عشر فتكون الجملة أحداً وعشرين، ولكن العرف فيه أن للعشرة ديناراً ربحاً فيقضى بالعرف على اللفظ. فإذا صحّ الاعتماد على العرف معارضاً بالظاهر فالاعتماد عليه مطلقاً أولى. ووجه دخول حديث أبي طيبة في الترجمة أنه عليه السلام لم يشارطه اعتمادا على العرف في مثله.

.باب بيع الشريك من شريكه:

فيه جابر: جعل النبي صلى الله عليه وسلم الشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق، فلا شفعة. وترجم له- باب بيع الأرض، والدور، والعروض مشاعاً غير مقسوم-.
قلت: رضي الله عنك! أدخل حديث الشفعة في البيع، لأنه إذا كان الشريك يأخذ الشقص من المشتري قهراً بالثمن. فأخذه له من شريكه مبايعة جائز قطعاً.
وفيه إشارة إلى أن الشفعة بيع، وهو أحد المذهبين فيها.

.باب شراء المملوك من الحربي، وهبته وعتقه:

قال النبي صلى الله عليه وسلم لسلمان: «كاتب، وكان حرًّا، فظلموه وباعوه». وسبى عمّار، وصهيب، وبلال. وقال الله تعالى: {والله فضل بعضكم على بعض في الرزق، فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون} [النحل: 71].
فيه أبو هريرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «هاجر إبراهيم بسارة، فدخل بها قرية فيها ملك من الملوك، أو جبار من الجبابرة. فقيل: دخل إبراهيم بامرأة، هي من أحسن النساء. فأرسل إليه من هذه التي معك؟ قال: أختي. ثم رجع إليها، فقال: لا تكذّبي حديثي. فإني أخبرتهم أنك أختي. والله إن على الأرض مؤمن غيري وغيرك فأرسل بها إليه، فقام إليها فقامت تتوضأ وتصلي فقالت: اللهم إني كنت آمنت بك وبرسولك، وأحصنت فرجي إلا على زوجي، فلا تسلّط عليّ الكافر، فغطّ حتى ركض برجله». قال الأعرج قال أبو سلمة: إن أبا هريرة قال: قالت: «اللهم إن يمت، يقال: هي قتلته. فأرسل في الثانية والثالثة، فقال: والله ما أرسلتم إليّ إلا شيطاناً، ارجعوها إلى إبراهيم. فقالت: أشعرت أن الله كبت الكافر وأخدم وليدة».
فيه عائشة: اختصم سعد بن أبي وقاص وعبدالله بن زمعة في غلام فقال عبد: هذا يا رسول الله أخي، ولد على فراش أبي من وليدته. فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى شبهه، فرأى شبهاً بيّناً بعتبة فقال: «هو لك يا عبد، الولد للفراش، وللعاهر الحجر، واحتجبي منه يا سودة». فلم ير سودة قطّ.
فيه عبد الرحمن بن عوف: إنه قال لصهيب: «اتّق الله ولا تدّع إلى غير أبيك». فقال صهيب: ما يسرني أنّ لي كذا وكذا، وأني قلت ذلك، ولكنّي سرقت وأنا صبّي.
فيه حكيم بن حزام: قلت: يا رسول الله، أرأيت أموراً كنت أتحنث بها في الجاهلية، من صلة وعتاقة وصدقة، هل لي فيها أجر؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أسلمت على ما سلف لك من خير».
قلت: رضي الله عنك! مقصوده من هذه الأحاديث والآية صحة ملك الحربي، وملك المسلم عنه. والمخاطب في الآية المشركون وبّخوا على قسوتهم بين الله وبين الأصنام في العبادة، وكونهم لا يساوون مماليكهم في أرزاقهم، فأثبتوا لأنفسهم الميزة على مماليكهم، ولم يثبتوا لله التفرد عن الأصنام بما يجب له من فأخذ من الآية أن للمشركين أملاكاً، دلّ أن الإشراك لا ينافي الملك.